عبد المجيد الشرفي والتجديد الدينيّ

يوسف بن عدي*

doi:10.17879/mjiphs-2023-4610

ملخص

تهدف هذه الورقة البحثيّة إلى تناول أُسس التجديد الديني في أعمال المفكر عبد المجيد الشرفي. إذ يرى أنَّ التجديد لا يتحقَّق إلاَّ إذا كان مشروطًا بالنقد التاريخيّ للتراث العربي الإسلامي وعلومه؛ بِعَدِّه الأداة المنهجيّة والإبستيمولوجيّة القادرة على كشف التمييز بين ماهو مقدّس وما هو بشريّ، أو بعبارة أخرى الفصلُ بين الإسلام التاريخي والرسالة. ومن ثم، فإنّ تحقيق النهضة أو الطريق إلى «الحداثة الدينيّة» يقتضي فهم حدود القراءات التقليديّة للنص الديني وإعادة النظر في الأحكام التي حوّلتها إلى حقائق يقينيّة؛ وتغيير وضع العقيدة والدين في أفق هموم المسلم المعاصر وحاجاته. بهذا، نكون أمام الطريق إلى تحديث الفكر الإسلامي، وبالتالي، في اتجاه تحرير الإسلام من الوسائط التأويليّة التقليدية كيْ يقدر على أداء وظيفيته الأصليّة للدين في زمن الحداثة.

كلمات مفتاحية: التأويلية؛ التجديد الديني؛ عبد المجيد الشرفي؛ الفقه؛ القانون

* أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس في الرباط، المغرب.

Abdelmajid Charfi and Religious Reform

Youssef ben Addi*

Abstract

This paper deals with the foundations of religious Reform “tajdīd” in Abdelmajid Charfiʼs works. He considers that the reform cannot be achieved unless it is conditioned by the historical criticism of the Arab-Islamic tradition and its sciences. This criticism is the methodological and epistemological tool capable of revealing the distinction between what is sacred and what is human, or in other words, the separation between historical Islam and the message. Therefore, achieving renaissance or the path to “religious modernity” requires understanding the limits of traditional readings of the religious text and changing the status of doctrine and religion in the horizon of contemporary Muslim needs. With this, it is possible to modernise Islamic thought and liberate Islam from traditional hermeneutic mediators so that it can achieve its original function as a religion in the age of modernity.

Keywords: Interpretation; Religious Reform; Abdelmajid Charfi; Fiqh; Law

* Professor of Philosophy at Mohammed V University in Rabat, Morocco.

مقدمة

يعتبر المفكر عبد المجيد الشرفي حلقة من حلقات تجديد الفكر الديني في الثقافةِ العربيّةِ(1)، كما يشكل عمله النقدي امتدادًا لأعمال عدد من الرواد العرب مثل علي عبد الرازق ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وغيرهم، بالإضافة إلى مُفكرين آخرين من العالم الإسلامي من أمثال محمد إقبال وفضل الرحمن وعبد الكريم سروش(2) من الذين انخرطوا في التيّار النقديّ للتراث الديني. فالتجديد الدينيّ هو الطريق إلى «الحداثة الدينيّة»(3) في العالم العربي. وهذا لا يعني هنا العمل على تكريس القراءات التقليدية للنص القرآني والسنّة النبويّةِ؛ وإنما هو تجديد النظر، والاجتهاد العقلي في إعادة قراءة التراث وِفق الوضع الثقافي والاجتماعي الراهن. ثّم إنّه من صلب الحداثة أن يُقرأ النص الديني وفق أدوات حديثة، ومحاولة قراءته في ضوء «قراءة تاريخيّة تربط بين انبثاق هذا الفكر الجديد والتحوّلات التي تخترقُ المجتمعات الإسلاميّة»(4). فهذه الرؤية الإبستمولوجيّة في قراءة العلوم والمعارف التراثيّة هي التي يُدافعُ عنها عبد المجيد الشرفي في أعمالهِ ودراساتهِ ومؤلفاتهِ.

حاول الشرفي أنْ يُغيّرَ من وضعية الدين والإيمان، بالاتكاء على الأُطر التاريخيّة النقديَّة(5)، حيث اعتمد عدة نتائج توصل إليها البحث التاريخي، التي تندرج ضمن الرؤية النقدية للتراث الديني. نذكر منها: أن النص الديني قد تعرض لتوظيف أيديولوجي في فترات من تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة ؛ وقد كانتْ للمؤسّسة الدينيّة أدوارٌ هائلة في هذا التوظيف. وأيضا، فإنّ ما يتم تفسيره أو تشريعهُ من أحكام وحدودٍ لا يخرجُ عن اجتهادات فقهيّة وأصوليّة تنسبُ إلى أصحابها لا غير. فتحول الدين إلى مؤسّسة، عبر تشكّل مجموعة من العقائد الملزِمة(6) يؤدي إلى انغلاق الفكر ومحاصرة كلّ تجديد ديني أو رأي مخالف في العقيدة(7). يقول عبد المجيد الشرفي في هذا السياق: «والسببُ في ذلك أنّ النص ليس حيًّا بالنسبة إلى القارئ ما لم يكن له معنى يستجيب لحاجته إلى أجوبة عن المسائل التي يطرحها في نطاق ظروف تاريخيّة وثقافيّة معينة»(8). ثمَّ إنّ هذا التصور يكشف بالأساس ذلك التمييز بين المقدس والبشريّ الذي طالما يتمُ السكوت عنه فإخضاع «الإنتاج الديني للمنهج التاريخي من شأنه تنسيبُ ما عُدَّ حقائق متعالية على التاريخ، ونزع القداسة عن الكثير من الإنتاج الديني الذي هو في حقيقتهِ إنتاج بشري»(9).

وهنا لابد من استحضار تصور عبد المجيد الشرفي للحداثة؛ حيث ينظر إليها بصفتها المعيار الرئيسيّ في تحديد الرؤى والتصورات. ولم يكن هذا التصور ممكنًا إلا بفضل انتسابه إلى المدرسة الحداثية واطلاعه على مناهجها، وما أفرزته من علوم -كما أشرنا آنفًا- مثل سوسيولوجيا التمثُّلات وعلم الأديان المقارن و الفيلولوجيا وعلم اللغة ومنجزات المستشرقين للدراسات القرآنيَّة والنقد التاريخي. فهذه المناهج والأدوات مكّنتْ الشرفي من تقديم مُنتجه البحثي إلى القارئ العربي، يظهرُ ذلك جليًّا في مراجعاته النقدية لتفاسير القرآن الكريم والحديث النبويّ(10)، و علم الفقه وأصوله(11)، وما إلى ذلك.

هكذا، فتجديد الفكر الديني عند الشرفي هو نقد مصادراته ومُسلَّماته التي يزعمُ أنها حقائق ثابتة ومتعالية على التاريخ البشري، والحال أنّها تأويلات إنسانيّة تحتكم للظروف السياسيّة والثقافيّة. فـ«مثل هذه القراءة النقديّة لا تعني إنكار محورّية النص القرآني ومكانته لدى المسلم بقدر ما تمثّلُ ضرورة فكريّة تعمل على فهم أفضل للظرفية التاريخيّة التي تشكلتْ في سياقها هذه المكانة المخصوصة للقرآن في المنظومة التشريعيّة»(12).

استطاع الشرفي أنْ يوظف المنهج التاريخي والتحليل النقدي المقارن على العلوم الدينية من قبل التفسير والفقه(13). فالمراجعة النقديّة الحقيقيَّة، كما يتصورها الشرفي، تتمثل في نقد الوسائط التأويليَّة(14) التي تحوَّلت من إبداء رأي في قضيّة أو مسألة فقهيَّة أو أصوليَّة أو كلاميَّة إلى مذهب يرى نفسه المُعبِّر عن الحقيقة. يعود ذلك بالأساس إلى ذهول بعض المعاصرين عن تاريخية الإسلام(15)، ومحاولة قراءته خارج الشروط التاريخيّة والثقافية، وكأنّ الرسالة الدينيّة متعالية على تاريخها وسياقها.

ومن المفيد القول هنا، إنّ مناهج البحث وعلوم الألسن والأنثروبولوجيا والتحليل الفلسفي والفيلولوجيا وعلم الأديان المقارن قد نبهتْ إلى أنّ اللغة ونظامها ليستا بريئتان كما كان يُتصور سابقا؛ فهي تخضع للترتيب والتقديم والتأخير، بل الأكثر من ذلك أنها تكشف كيفية القول والمُضمر منه من أقوال أخرى غير مصرح بها. إنّها علاقة متشابكة بين الحقيقة والتاريخ، بين المعنى وعلاقته بالذات والأيديولوجيا وسياسة الحقيقة. لقد كان وعي الشرفي بهذه المعطيات عاملًا حاسما في تميّز منجزه النقدي في الفكر العربي الإسلامي المعاصر.

أولًا. ثقافتنا الدينيّة في ضوء التاريخ:
في مواجهة القراءات اللاتاريخيّة للنص

1. الأنساق المغلقة وتحولات العالم الحديث

يرفض عبد المجيد الشرفي النظر إلى البحث في مجال الدراسات الإسلامية انطلاقا من القضيّة الحدّية: إما أن نختار الإسلام و إما أن نختار الحداثة(16)، إذ يُحاول البحث عن إمكانات فكرية أرحب في الفهم والتأويل والتعقل لمعاني التاريخ وأطره. وبهذا، فتحديث الفكر الإسلامي -بالنسبة إلى الشرفي- هو المطلب الملح من أجل استنبات المبادرة الفردية والمسؤولية في قراءة النص. يقول في هذا السياق: «ذلك أنّ القضية المطروحة بحدّة على الفكر الإسلامي، في نظرنا، هي مدى الاستجابة لمقتضيات الحداثة بكل تجلياتها الماديّة والمعنويّة، العلمية والتقنيّة كما الفكريّة والفلسفيّة علمًا بأنّ هذه الاستجابة ضرورة ملحة لا ترف ذهني»(17).

لا مِرية في أنّ مقومات النظر النقدي في مشروع الشرفي لا يستوي إلاّ عن طريق نقد المنتوج الفكري العربي وطرق تعاطيه مع الماضي والحاضر. فرغم أن الإمام محمد عبده، صاحب رسالة التوحيد، كان قد انخرط في المسار النقدي بتجديد الفهم للدين والعقيدة، لكنّه ظل يعتقد، كما يذهب لذلك الشرفي، أنّ «السلف أقدر على البناء والإبداع وأن الماضي أنقى وأعدل وأشجع وأكرم وأفصح وأشعر، بل إنهم أكمل أجساما وأرجح عقولًا، أعيشهم هنأ وحبهم أصدق»(18)، وكلّ ذلك يعود إلى العوامل الاجتماعيّة النفسانيّة التي تجعل المجتمع التقليدي المسلم يكرس تقديس السلف من دون استحضار التحولات التي أحدثها العالم الحديث في البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية.

ولعلّ الأمر الخطير الذي يلزم عن هذه الرؤية هو تكريس مشروعية المؤسسة الدينيّة التي تعمل على تنفيذ الخطاب الأيديولوجي للسلطة السياسية وفق منطقها لا منطق المنتسبين إليها. يقول الشرفي منبِّهًا إلى هذا الأمر: «وفي هذا الصد فإنّ مصالح علماء الدين ومصالح رجال السياسة كانت تلتقي لإضفاء المشروعية الدينية على النظام القائم بالاستناد إلى سلطة السلف وبتغييب كلّ ما من شأنه أن يقدح في هذه السلطة ذات الأثر البالغ في نفوس المؤمنين»(19). فضلا عن أنّ محاولة استذكار سلطة السلف في العصر الحديث مجرد محاولة تصرُّ على استبدال الواقع بالحلم، والحقيقة بالمثال. والحال أنّ الوفاء للإسلام كما يقول الشرفي يكون عبر «جعله دينا منفتحًا -بالمفهوم البرغسوني كذلك- يجرأ أتباعه على تجديد التأويل لنصوصه بما يراعي روحها والحكمة منها ويراعي في الآن نفسه مستجدات العصر ومتطلبات الحاضر»(20).

إنّ استعادة الخطاب الديني لا ينبغي أن يمر من قنوات التقليد، كما ينبغي أن يتشكل بمعزل عن هيمنة الأيديولوجيات في الإسلام(21). وهذا ما حاول أن ينجزه بعض المفكرين كأحمد أمين و محمود محمد طه والطاهر الحداد وعلي عبد الرازق ومحمود أبورية ونصر حامد أبو زيد، مع أنّ بعضهم لم يستطع أن يذهب إلى أبعد حدٍّ ممكن في البحث في بنيات التأويل والمبررات التي كانتْ وراء قراءة النص الديني. يقول الشرفي موضحًا هذه النقطة: «فهل رغبة المؤلف [المقصود هنا محمود أبو ريّة] في تنزيه النبي عما أضيف إليه مما لا يمكن أن يصح روايته بلفظه هي التي أدتْ إلى رفض الحديث عمليا أم أن تبنّيه ‘المنهج العلمي الحديث’ في نقد النصوص كما اعترف بذلك صراحة هو الذي أدّاه إلى نفس النتيجة ولكنّه احتاج إلى تبريرها بالرغبة في تنزيه النبي»(22). كما انتقد الشرفي مشروع محمود محمد طه، صاحب الرسالة الثانية في الإسلام، حيثُ ارتأى ضرورة الفصل بين الآيات المكية والآيات المدنية؛ وهو فصل قد يسعف المسلمين اليوم في ربط الدين بالحداثة وأفقها رغم ما لهذا التصور من انعكاسات نظرية وعمليّة؛ وهو ما دفع الشرفي إلى رفضه لأنه «لم يحصل تاريخيًا[...] فالقرآن بالنسبة إليّ ‘كل متكامل’ ولا أرى أنه يمكن فصل النص القرآني عن سياقه التاريخي إذ لا يمكن اعتبار القرآن فقط في عباراته وجمله وكلماته»(23). ومن ثم، يتبيّن أنّ نقد الشرفي للتيارات الفكرية والسياسية العربية كان نقدًا علميًّا، اعتمد تحليلًا تاريخيًّا يستند إلى مناهج البحث الحديثة، مما جعل مشروعه الفكري يحظى بقدر كبير من الاعتبار في قراءة الانتاج الديني ونظمه المعرفية(24).

2. تحرير الإسلام من المدوَّنات التأويليّة التقليديَّة

إنّ النظر إلى الإسلام نظرة ماهوية من خلال مدوناته التقليدية قد زاد المشكلة الأساسية للحضارة الإسلامية تعقيدًا، حينما لم يكن في الإمكان توفير الحلول الحقيقية للمشاكل التي يتخبط فيها المسلمون(25). وهذا ماشدّد عليه الشرفي: «النتيجة التي يمكن الخروج بها من هذه الملاحظات أنه لا حرج من إخضاع الممارسة التاريخية للإسلام للنقد والمراجعة والتقسيم، وأنّ القداسة التي أضفاها عليها الزمن ينبغي أن لا يحجب طبيعتها البشرية، وبالتالي ما تتسم به بحكم بشريتها من نقص ومحدودية؛ وحتى من زيغ وانحراف عن المبادئ التي أرادت أن تكون لها وفية»(26). ومن ثمة فحرص العالم التقليدي على استدعاء المعارف والتصورات التأويلية الكلاسيكية، ومحاولة الزج بها في عالم متغير اليوم قد لا ينتج معرفة دينية جديدة(27)، وبالتالي فإنه يجدر بنا أن نقوم بفصل واضح ومنهجي بين الإسلام التاريخي والإسلام المعياري؛ بالرغم مما قد يثيره من شكوك واستفهامات حول مدى توجيه النص للواقع وأفراده وقدرة الواقع على التأثير في النص عن طريق تأويله وتفسيره. أو بعبارة أدق: هل يمكن للوعي، فعلا، أن يؤثر على الواقع والمجتمع؟ أم أنّ للمحددات المادية غلبة في تحديد مؤشرات الوعي ومآلاته(28)؟

من المعلوم أنَّ توظيفات النص في الثقافة العربيّة والإسلاميّة قد عرف اهتمامًا كبيرًا في المجالات السياسية والفقهية والأصولية؛ وهي توظيفات لم تكن بريئة(29)، بيد أنّ نباهة الشرفي دفعته إلى كشف البنية التي يكرسها هذا التوظيف السياسي والأيديولوجي والمذهبي. ويعني هذا أنَّ «ما يحتجّ به في كثير من الأحيان ليس هو النص القرآني بقدر ما هو البنية التأويلية في نطاق المذهب الفقهي وفي نطاق الفرقة الكلامية»(30). فهذه الوسائط التأويلية للنص القرآني قد لا تكون على خط فكري واحد؛ إذ تحدث بعض القدماء عن الجانب البشريّ غير المشرق من سيرة الرموز التي يرفعها التديّن العام إلى مستوى المثل العليا والنماذج التي يقتدي وينسج على منوالها(31).

بيد أنَّ التصور العام السائد والموروث يتمثل في أنّ النص القرآني يكاد يكون في منأى عن الفرد وضميره الإيماني؛ بتعلّة سيادة المدوّنات التأويلية المنتشرة في علوم الحديث والفقه و أصول الفقه والتفسير، يقول الشرفي في هذا الأمر: «وعندما تمّت هذه المأسسة بصفة تدريجية لا محالة، فإنّ مقتضيات التنظيم الاجتماعي والسعي إلى توحيد السلوك، قد تغلّبتْ على مقتضيات الضمير الحرّ، وتفاعلتْ في ذلك العوامل السياسية مع العوامل الثقافية والاجتماعية لتُنشئ منظومة متماسكة تماسكًا داخليًا إلى حد كبير، لكنّها بحكم انغلاقها مهدّدة بالابتعاد عن الحياة في تغيّرها وتشعّبها»(32). ويعني هذا أيضا غياب الحسّ التاريخي في فهم النصّ الديني وأحكامه. والحصيلة من كلّ ذلك أنّ تحرير الإسلام من الوسائط التأويلية لا يتحقّق إلاّ بفضل النقد التاريخي والعلمي لطرق إنتاج النصوص الدينيّة.

ثانيا. العبور إلى التجديد الديني

إنّ من معاني الحاضر أن يحيى الفرد في دنيا العلوم الحديثة، مستفيدًا من حقوقه وحرياته في ظل دولة مدنية. لكنّ استحضار الماضي يخلق توترًا شديدًا، يمكن أن نصيغه في السؤال الآتي: هل الماضي امتداد في حاضرنا اليوم أم إنّ الحاضر هو نقد الماضي والتطلّع إلى عالم الغد؟

لقد شكَّل الشق الثاني من الإشْكال أساس تفكير الشرفي، إذ استطاع الاشتغال على معرفة الماضي عن طريق النقد التاريخي، مما كشف له الهوة بين النص الديني التأسيسي والتمثلات التي أبدعها الفقهاء وعلماء الحديث والسيرة عن طريق التخييل والحذف والاضمار والأسطرة(33). ومن ذلك يمكن القول إنّ فكّ الارتباط بين النص والفهم التأويلي وتنسيب الحقائق هو الذي راهن عليه الشرفي في كتابه الإسلام بين الرسالة والتاريخ. يقول:« وعلى هذا الأساس فإنّ الكتاب الذي بين يدي القارئ يراهن على المستقبل، ويحاول قدر المستطاع الاستجابة لحاجات الفئات المندرجة اندراجا متسارعا في الحياة العصرية، ولطموح الأجيال الصاعدة منّا إلى فكر إسلامي يأخذ في الاعتبار الثورات الأربع الكبرى التي عرفتها البشرية منذ عصر النهضة الأوروبية»(34).

فهذه الدعوة التي أعلنها الشرفي ترى في الإسلام دينًا حيًّا قابلا للدراسة والفحص، شريطة الأخذ بالحسبان الشرط التاريخي في التعاطي معه. فـ«القدماء بأجيالهم المتعاقبة مارسوه بحسب ما سمحت لهم به ظروفهم المعرفيّة وأوضاعهم التاريخيّة العامّة»(35). أمّا نحن اليوم، فعلينا أن نتفاعل مع هذا الدين في سياق أسئلتنا وطموحاتنا ورهاناتنا(36)، وهذا ما يجعلنا نميّز بين الدين وأشكاله التاريخيّة المتنوعة والمختلفة؛ أيْ بين الدعوة الأصلية وأشكال التدين التي تغلب عليها الطقوسية، وتؤدي وظائف اجتماعية معينة هي أساسا تقوية الروابط بين الأفراد وفرض حد أدنى من الانضباط، فتقدم فيها الولاءات المختلفة على الحقيقة، وتكون الأولوية لضرورة الانسجام بين مكونات المجتمع على حساب صدق الضمير»(37).

ومن ثمة، فالخطاب يفقد الكثير من أصالته حينما يصير حكرا على الوسائط التأويلية(38) التي سيّجت فهمنا للنص الديني ورسمتْ تصوراته وحدوده؛ و هذا يعني أنّ التمييز بين الدين وأشكال حضوره في التاريخ يغيِّرُ كثيرًا أو جذريًّا تلك الوظيفة الأصلية التي تمثلُ جوهر الرسالة. يقول الشرفي موضحًا تلك الوسائل التي تُمعنُ في تغيير فحوى الرسالة أو الخطاب عامة: «لندرك ما لـ‘وضعيّة الخطاب’ من أهميّة بالغة لا يؤدّيها ذلك الخطاب عند ما يدوّن كتابة ويصبح قابلًا، ككلّ النصوص المكتوبة، والنصوص الدينيّة التأسيسيّة بالخصوص، للتأويل في اتجاهات مختلفة بل متناقضةٍ أحيانًا، بحكم اختلاف الرؤى وتنوّع المصالح وتأثير الأمزجة والذهنيات، حتى يستتبّ الأمر في نطاق سُنّية معيّنة أو سُنّيات متنافسة متصارعة على الاستئثار بالتأويل الصحيح، ومقصيّة لبعضها بعضًا»(39). وعلى هذا، كان تدوين العلوم الدينية تعبيرًا عن رؤى ومواقف ومصالح، ويبدو ذلك واضحًا في أسباب النزول(40) التي تم الاحتفاء بها في مراحل متأخرة من حياة المسلمين مما أدى إلى فهم الآيات فهمًا يشوبه بعض الاضطراب والتشويش لاسيما وأنّ جمع المصحف وعملية إحراق باقي المصاحف المُختلفة كان وراءهما قرارٌ سياسي لتوحيد الرواية(41). وقد ترتّب على هذا، أنّ الدين قد أضحى مطية استغلال سياسي ومذهبي.

1. الفقه والقانون الوضعي: في الردّة الإبستيمولوجيّة

علاقة النص الديني بالسلطة السياسية علاقة معقّدة و مركّبة لما فيها من تشابك بين الجوانب المذهبيّة الفقهية والأيديولوجية السياسية والاجتماعية، مما يؤدي إلى تبرير مشروعيّة السلطة، وبالتالي تسييج أفق تفكير المسلمين بوضع قواعد وحدود هي في كثير من الأحيان مفتعلة ومؤوّلة. ومن ثمة، حرص الفقهاء على اعتبار الأحكام «شرعيّة إلهيّة لا قوانين بشريّة وضعية على أساس أنها مستنبطة من النصوص الدينيّة وأنه لا مشرِّع سوى الله»(42). ولا نعدم دليلًا على هذا، فالمذاهب الفقهية قد تحولتْ من اجتهاد ورأي في مسألة أو حكم أو نازلة إلى مذهب تتبناه الدولة وتُجريه على الناس(43)، وهو الأمر الذي سوف تكون له انعكاسات كبيرة على الفكر والاجتماع العربي اليوم، ولعل من أهمها حدوث تباعد بين القانون والفقه. يقول الشرفي في هذا السياق «ففي القانون هناك تركيز على مسؤولية الإنسان باعتباره كائنًا اجتماعيا، مسؤوليته في تنظيم حياته بحسب معايير متفق عليها (...) بينما رأينا في نطاق الفقه أنَّ كل أعمال الإنسان في المنظور التقليدي ينبغي أن يخضع لهذه الأحكام ذات الصبغة الدينية»(44).

ويجدر بنا ونحن نتحدث عن علاقة الفقه بالقانون أن نسوق بعض الأمثلة التي تناولها الشرفي وهي أمثلة من التاريخ والمذاهب الفقهية التي تدلُّ على المفارقات المثيرة. يقول الشرفي في حدّ الردة وقطع اليد: «ونبدأ بالردة لأنَّ القرآن خلو من الإشارة، ولو من بعيد، إلى أي عقاب دنيوي يسلط على المرتد وإنما على جزاء أخروي ليس لأحدٍ من البشر أن يتولاه»(45). لكن الفقهاء عملوا على تحويل حكم الردة إلى أمر ديني وإلهي، في حين أنّ الغرض من وراء ذلك التأويل هو تغليب مقتضيات الإجماع بحسب الأنماط القديمة على مبدأ الحرية الدينيّة الأساسيّة الذي جاءت به الرسالة المحمدية»(46). وعليه، لا نعتقد أن ضمير المسلم يقبل بأن يذهب إنسان بريئ واحد ضحية التشبث بطرق في العقاب كانت لها مبرراتها في المجتمعات القديمة البسيطة وزالتْ اليوم هذه المبررات(47).

لقد كان منطق تطبيق الحدود في الإسلام من الأمور الغريبة والتي تحتاج إلى مزيد من الفحص والدراسة، وذلك راجع إلى ممارسة بعض الفقهاء الكثير من الحيل لتخطي هذا التطبيق. فالتمسك بـ«حرفيّة النص هو الذي أدى إلى هذه الازدواجية بين النظرية والتطبيق وإلى البحث عن الحيل الفقهية لتجنب التطابق بينهما»(48)، والدليل على ذلك أنَّ الفقهاء والمفسرين قد اختلفوا في مسألة قطع اليد، أعني في معنى القطع ومعنى اليد والمقدار الذي يجب فيه القطع، فكان ملجأ هؤلاء هو وضع صنوفٍ من الحيل(49) التي توجهها القيم السائدة في أزمنة تاريخية وثقافية متعاقبة. بيد أن ما كان يحرص عليه الفقهاء هو «احترام ظاهرة العبادات والمعاملات أكثر من تراتبية الوازع الذاتي الباطني الذي يوجه المسلم نحو الخير ويكره إليه الشر. وبذلك، غلّبوا مقتضيات الإجماع على المسؤولية واهتموا بالواجبات على حساب الحقوق»(50).

إذا، فتراجع الفقه أمام تقدم التشريع القانوني المرتبط بحقوق الإنسان والمواطنة يدفعنا إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة الفقهية وتخليصها من التأويلات السياسوية والأيديولوجية المتمذهبة، للرقيّ به إلى مدار الإنسان كقيمة في ذاته. يقول الشرفي: «فإذا كان الفقه بناء بشريًا تاريخيًا، فإنه يمكن لنا إذن أن نتصرّف في هذه الأحكام وأن نلغي ذلك الاستقرار المزعوم الذي ليس إلاّ نتيجة لهذه الظروف التي عاشها المسلمون، والهدف من كلّ ذلك سواء في الميدان الإسلامي عمومًا، ينبغي أن تكون تربية الضمير المستقيم (...) ليست موكولة لا إلى الدولة، لكي تصون هذه الأحكام، ولا إلى الفقهاء، بل هي موكولة إلى الأمة الإسلامية، وعلى أساس الحرية الذاتية والمسوؤلية الفردية»(51).

ومما سبق نقول إنَّ التغافلَ عن عدم التمييز بين التدين والدين، أو ماهية الدين وفهوماته التاريخية والمذهبية هو أحد أسباب ادعاء امتلاك الحقيقة، فمن دون هذا التمييز لن نستطيع تجاوز المدونات التأويلية الكلاسيكيّة التي تم تكريسها كرؤى تصور الحقائق كاملة لا تنسيب فيها(52). وهذا ما كرسه الشافعي في أصول الفقه وحجب الدوافع السياسية والثقافية التي كانت وراء هذا العمل.

2. في نقد الوسائط التأويليّة و الطريق إلى التحديث

يقول الشرفي معلنًا نقده للمسلمات التي انطلق منها مذهب الشافعي «وهنا بالذات يتعين أن نعيد النظر في المسلّمة الأصولية التي أرساها الشافعي في رسالته والتي هي تعبير عن مثل أعلى أكثر مما هي تعبير عن الواقع التاريخي»(53) ويردف أيضًا في الاسلام بين الرسالة والتاريخ: «وليست العبرة في الرجوع العقيم بالتاريخ إلى الوراء أو في محاسبة الأسلاف على اجتهاداتهم؛ وإنما هي في نزع القداسة عن هذا التاريخ البشري؛ والوقوف عند مزاياه وعيوبه من دون تضخيم هذه أو تلك ومن دون مركّبات وعُقَد»(54).

يبدو لنا أنّ هذين القولين متكاملان بحيث يسعيان معًا إلى نزع الطابع الأسطوري عن التاريخ أو التراث العربي الإسلامي الكلاسيكي. إذ إن الأمر إذا صار على غير ذلك فسوف نكتشف أمثال الشافعي(ت. 204 هـ) الذي كرس عقلًا تشريعيًّا مسيّجًا لا نقدر الفكاك من بنياته ومكوّناته ومسلّماته دون تقويضها. والشاهد على ذلك أنّ صاحب الرسالة قد بلغ به الأمر إلى حصر الفعل الإنساني وأفعال العباد ضمن منظومة قيميّة دينيَّة. أعني أنّ الأمر لا يخرج عن كونها حلالًا أو حرامًا أو مستحبّة أو مكروهة، بل تم السكوت عن حقيقة أنّها تنتمي إلى مجهود بشري خالص(55). ونضيف إلى ذلك دفاع الشافعي عن الإجماع كأصل من أصول الفقه الأربعة، وهو أصل شهد الكثير من الالتباس والارتباك. يقول الشرفي موضحًا ذلك: «نخلص الآن إلى الأصل الثالث: الإجماع، ونشير إلى أنّ الانزلاق الذي حصل من اعتبار إجماع الأمّة إلى اعتبار إجماع العلماء المجتهدين أدّى بهم أنفسهم إلى تكريس حلول الماضي أكثر من محاولة التجاوب مع الواقع الذي يعيشونه، وذلك لأنهم قد أقروا بأن إجماع كلّ عصر حُجّة على من بعده»(56)، ونتج عن هذا عملية تاريخية تتمثل في تقليص مفهوم الأمة إلى مفهوم الفئة، فضلا عن ذلك أنّ النصوص التي كانت تعمل جاهدة على توحيد الأمّة والصفوف كانت ذاتها سبب تفجّر الاختلاف والتباعد بين الفقهاء والعلماء والفئات المجتمعيّة. ومن ثم يعلمنا الواقع التاريخي «أنّ النصّ يحمل في كثير من الأحيان أبعادًا أو يكتسب معاني ذات صبغة تاريخية واضحة»(57).

وهكذا، فتأويل الفقهاء للنصوص الدينيّة ليس حقيقة مقدّسة، بل هو إمكانيّة من الإمكانيّات التأويليّة المتاحة لنا على مستوى القراءة والفهم وفق شروط اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة. يقول الشرفي عن حدود الاجتهاد عند الأصوليين والفقهاء أنّ «ما حصل بالفعل تاريخيًّا هو ارتقاء أحكام الأوائل -وخاصة منهم أصحاب المذاهب- إلى مستوى المقدسات وأدّى ذلك إلى قبول الإجماع أصلًا من أصول التشريع بقطع النظر عن النظريات المتباينة في شأنه أهو إجماع الصحابة فقط أم إجماع الأمة الإسلامية بإطلاق أو في عصر معين أم إجماع العلماء؟»(58). من ثمة، من غير المقبول اليوم في زمن الحداثة تبنّي منهج الشافعي الأصولي «فلم يعد باستطاعة المؤمن في عصرنا أن يقرأ كتابه عبر معايير القدماء، ومن خلال نظرتهم إلى الكون. والحال أنّ الزمن قد تكفل بتجاوز هذه وتلك تجاوزًا لا أمل في أن يستردا إشعاعهما ومصداقيتهما»(59). لكننا نرى أنّ أصول الفقه لا زالت تسيطر على المخيال العربي والإسلامي إلى أيامنا هذه «رغم كلّ ما طرأ على الأوضاع التاريخية وعلى المعرفة البشرية من تغيير»(60). ويتحصّل من هذا، أنّ تكسير بنية علم أصول الفقه لا يتوقف عند نقد مسلّماته وفرضياته الأساسية، بل يتعدى ذلك، عند الشرفي، إلى كشف الانقطاع التاريخي للمنهج الأصولي وعجزه على مجاراة ما تشهده العلوم والمناهج الحديثة من تطور كبير.

إذا كان الهدف من علم التفسير هو تسييج الفهم والتأويل وحصرهما فيما ترتضيه الفرق العقدية والمذاهب الفقهية(61)، فإنّ الأمر يستلزمُ اليوم قراءة القرآن على ضوء المعارف الراهنة على أساس أنّ المعارف نسبية وليست مطلقة(62). ويفهمُ من ذلك، ضرورة ترسيخ الاقتناع بأنّ أصول الفقه والتفسير قد تم نسجهما في ضوء وضعيات تاريخية وثقافية وسياسية محددة وبالتالي من العيب المنهجي تعميم أحكام الفقهاء وتأويلات المفسرين على عصرنا الحالي. وبهذا الاعتبار، فالانفلات من هواجس القدامى في تفسير القرآن إنما يتحقق بنقد منجزاتهم وحدودها والخلفيات السياسية والأيديولوجية التي تحكمتْ في مقولهم، ومن ثمة قراءة القرآن بصورة مباشرة من غير وسائط تأويلية، أي أنّ «القرآن مخاطبًا إياه خطابًا مباشرًا وليس مضطرًا للعبور في إنصاته لهذا الخطاب عبر التأويلات التاريخية التي زكاها الاستعمال، لأنّهُ ببساطة لا يقدّس السلف ولا يراهم أجدر منهم بالفهم والتأويل»(63)، فمعارفنا أكثر تقدمًا من معارف القدماء بفضل التطور المنهجي، وتوسع المعارف الإنسانية. ولذلك فتحصيل التقدم في الفهم والقراءة لا يكون إلاّ بواسطة المنهج النقدي التاريخي الذي يكشف لنا عن المبرّرات التي دفعتْ بهذا التفسير أو ذلك. وهذا كلّه «حرصًا على الوفاء للمقصد القرآني حسب ما يقتضيه التماسك الداخلي للنص المقدس وبعيدًا عن التشبث بحرفيته»(64).

3. المؤسّسة الدينيّة في الإسلام: حصيلة نقديّة

من المعلوم أنَّ هناك بعض المحاولات في الفكر العربي المعاصر تعمل جاهدة على نفي وجود المؤسسة الدينية في الإسلام(65)، محتجة بأنّ هذا الأخير لا يماثل دور المسيحية وعلاقتها بالسلطة الزمنية والسلطة الروحية؛ ينتقد الشرفي هذا التصور، معلنًا أنّ «الإسلام لم يشذّ عن سائر الأديان والمعتقدات من حيث خضوع الرسالة التي انبنى عليها لمقتضيات التنظيم والمأسسة»(66). ذلك أنَّ مسارات المؤسسة الدينية في الإسلام على ثلاث جهات. أولًا: في التمييز بين المسلمين وغير المسلمين في دولة المسلمين، وهذا يتجلى لنا بوضوح في إلزام أهل الذمة بلباس الغيار ومنعهم من ركوب الخيل والتضييق عليهم في بناء الكنائس والبيع(67)؛ وثانيًا: «تحويل مختلف أشكال العبادة إلى طقوس موحّدة لا مجال فيها للاجتهاد الشخصي أو الخروج عن عدد من الأركان الثابتة»(68)، وهنا لابد من الإشارة إلى غياب الحرية والاختلاف، إذ كان لا ينظر إليه من حيث هو عنصر ثراء بقدر ما كان عنصر الفرقة وشق عصا الطاعة الدينية والسياسية(69)؛ وثالثًا: «تحويل الدين إلى مؤسسة تمثل كذلك في تشكل مجموعة من العقائد الملزمة التي لا يجوز إنكارها بوجه من الوجوه»(70).

يبدو أنّ إصرار هذه المؤسسة الدينية على تحقيق مرادها ساهمتْ في وجود تأويلٍ أحادي ومغلق في قراءة النصوص من أجل الوحدة والتطابق، بيد أنّ الفوارق والتناقضات تُداهمها من كلّ جهة وصوبٍ(71)، يقول الشرفي: «في الإسلام كما في البروتستانية يفوّض أحد إلى العلماء وإلى رجال الدين سلطة التأويل المعياري للنص المؤسس، ولكنهم عمليا مارسوا هذه السلطة واحتكروها وكان موقعهم يرمي إلى الإبقاء على استئثار خطابهم بمشروعية التأويل وإقصاء مخالفهم بشتى الطرق القسري منها والنفساني»(72). إن من جوامع القول الذي يطمح الشرفي إلى التشديد عليها؛ تتمثل في أنّ هذه الأشكال التاريخية للتدين والتوظيفات الإيديولوجية والمذهبية للنص الديني قد أسهمت في الخروج، عن منطق الرسالة والإطار الذي رسمته(73).

الخاتمة

إنّ تجديد الفكر الديني في الإسلام عند عبد المجيد الشرفي يقتضي نقد الوسائط التأويليّة التي أنتجها الفقهاء ورجال الدين، ذلك أنهم قد وظفوها للدفاع عن مصالحهم ومواقفهم، أو تبرير مشروعيّة السلطة القائمة. إنها في الواقع «دولة الفقهاء». كما يقتضي التجديد كذلك العمل على وضع الإنتاج الديني في السياق التاريخي والسياسي والثقافي، بحيثُ إنّ فشوّ تفسيرات وتأويلات للنص القرآني والسنّة النبويّة باعتبارها معارف كاملة وعلوم تامة مردُّهُ إلى السكوت عن الخلط بين ماهو بشري وماهو مقدّس. أو بعبارة أخرى ضرورة التمييز بين الإسلام الرسالة والإسلام التاريخي.

إذا، فقراءة التراث الديني عند الشرفي تتأسّسُ على المنهج التاريخي والتحليل النقدي المقارن الذي يُسعفنا في مراجعة الكثير من الأوليات والحقائق التي ترسختْ في وجدان المسلمين اليوم من قبيل تنسيب الحقيقة، وتفاعل الدين مع حاجيات العصر ورهاناته، ويعني هذا أيضًا أنّ التأويل لا يخفي وراءه سوى تأويلات وتمثّلات تاريخية قد تطابق الواقع المعيش وقد تفارقهُ. لهذا كان التمييز المنهجي أو النظري بين الرسالة والتاريخ وبين النص الديني المؤَسس والمتخيّل الديني السائد عبر الأزمنة التاريخية والثقافية الكلاسيكية هو من الشروط التي يقف عليها الشرفي في مشروعه. رغم ما لهذا الأمر من تداعيات نظرية ومنهجية أو انقلاب عمّا رسمهُ من طموحاتٍ وتطلعات في فهم النص الديني. فالبحث عن جوهر الدين هو بحث عن المتعالي والمفارق أو بعبارة أخرى، بحث عن صورة مثلى للدين الإسلامي!

إنّ قراءة الشرفي للتراث الديني، قراءة نقديّة وتأويليّة تستند على مكتسبات العلوم الإنسانية الحديثة، مكّنتهُ من إبراز الهوة الكبيرة بين الأحكام الفقهيّة ودنيا الناس، إذ مازال الكثير من الفقهاء يعتقدون في أنّ الماضي هو مستقبل هذه الأمّة، ومردُّ ذلك حسب الشرفي، غياب الحس التاريخي والنقدي.

كان لابدّ من كشف الجدل المركّب بين النص الديني وتفاعل المؤوّلين من الفقهاء وعلماء الدين لبناء مفهوم المتخيّل الديني كما أرادوا له أنْ يكون لا كما كان في العقل السياسي العربي. إنّ الذات القارئة للنصّ القرآني والحديث النبوي لا تقرأه بحياديّة؛ بل هي ذات موجّهة، ولا تعي ما تقول، أو تعي بأنّ قراءتها أيديولوجية! إذ ينجمُ عن ذلك التزييف والتضليل أو الخلط بين ما هو مقدّس وماهو بشري أو تاريخي ليتحوّل الشافعي أو الأشعري أو الغزالي أو محمد عبده إلى مرجعيّة وسلطة تتحدّثُ باسم «الله» دون أيّة حدود أو خطوطٍ بينهما.

إنّ البحث في حفريات المعرفة الإسلامية العربية يستدعي تظافر الجهود، من جميع التخصّصات، وتنويع المقاربات؛ حتى يكون في مقدورنا كشف بنيات المعرفي والأيديولوجي، وآليات اشتغالهما في التاريخ والدين والاجتماع والسياسة.

قائمة المراجع

الأسود، المنجي. «عبد المجيد الشرفي». في: بسام الجمل (تحرير). أعلام تجديد الفكر الديني. الجزء الأول. بيروت: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث 2016، ص 217-239.

بشارة، عزمي. «عن المثقف والثورة». تبيّن. العدد 4 (2013ص 127-142.

بلقزيز، عبد الإله. نقد التراث: العرب والحداثة.)بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2014.

بن عدي، يوسف. قراءات في التجارب الفكرية العربية المعاصرة: رهانات وآفاق. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2011.

الجمل، بسّام. جدل التاريخ والمتخيل: سيرة فاطمة. الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2016.

حامدي، أمبارك. «من إشكاليّات التّحديث في مؤلّفات عبد المجيد الشرفي: قراءة تحليلية». نقد وتنوير. العدد 4 (مارس 2016ص 101-125.

حمّامي، نادر. إسلام الفقهاء. بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2006.

الحمّامي، نادر. صورة الصحابي في كتب الحديث. الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2014.

حمزة، محمد. إسلام المجدّدين. بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2007.

حمزة، محمد. الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث. الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2015.

الشرفي، عبد المجيد. الإسلام والحداثة. تونس: الدار التونسيّة للنشر، 1991.

الشرفي، عبد المجيد. تحديث الفكر الإسلامي. بيروت: المدار الإسلامي، 2009.

الشرفي، عبد المجيد. لبنات: في الثقافة والمجتمع. الجزء 3. بيروت: المدار الإسلامي 2013.

الشرفي، عبد المجيد. لبنات: في المنهج وتطبيقه. الجزء 1. بيروت: المدار الإسلامي 2013.

الشرفي، عبد المجيد. لبنات: في قراءة النصوص. الجزء 2. بيروت: المدار الإسلامي 2013.

الشرفي، عبد المجيد. مرجعيات الإسلام السياسي. تونس: التنوير للطباعة والنشر، 2014.

العروي، عبد الله. مفهوم الحرية. ط 6. بيروت: المركز الثقافي العربي، 2012.

عمامو، حياة. أصحاب محمد ودورهم في نشأة الإسلام. تونس: دار الجنوب، 1996.

الوريمي، ناجية. «المؤسسة الدينية والسلطة السياسية: من الولاء إلى المواجهة». مؤمنون بلا حدود (2017/02/25)، شوهد في: 2022/09/15، على: https://bit.ly/3Us0Xk3

Benzine, Rachid. Les nouveaux penseurs de l’islam. Paris: Albin Michel, 2004.

Filali-Ansary, Abdou. Réformé l’islam? une introduction aux débats contemprains. Paris: la Découvetre, 2003.


1 يُراجع الفصل السابع الذي خصصهُ رشيد بن زين لأعمال عبد المجيد الشرفي، الذي جاء بعنوان «فهم جديد لختم النبوّة»، في:

Rachid Benzine, Les nouveaux penseurs de l’islam (Paris: Albin Michel , 2004).

2 يمكن الإحالة أيضا على عمل عبده الفيلالي الأنصاري الذي خصصه لعدد من مُجدّدي الفكر الديني وإصلاح الإسلام، يُنظر:

Abdou Filali-Ansary, Réformé l’islam? Une introduction aux débats contemprains (Paris: la Découvetre, 2003).

3 يقول عبد الإله بلقزيز: «هل نحن أمام بروتستانية إسلامية في وجه كثلكة مزروعة زراعة قيصرية؟ لا نعتقد أن ذلك يؤسس هواجس عبد المجيد الشرفي، وإن لم يكن الرجل بعيدًا عن مطلب الإصلاح الديني في كل ما كتب، ولكن ماذا لو أنّ البروتستانية ثاوية في تعاليم الإسلام نفسه، قبل أن يفعل التاريخ والتمأسس الإكليروسي فعله فيه»، يُنظر: عبد الإله بلقزيز، نقد التراث: العرب والحداثة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2014)، ص 277؛

ينتسبُ عبد المجيد الشرفي إلى الحداثة النقديّة أي طي صفحة التّراث، يُنظر: أمبارك حامدي، «من إشكاليّات التّحديث في مؤلّفات عبد المجيد الشرفي: قراءة تحليلية»، نقد وتنوير، العدد 4 (مارس 2016)، ص 101-125، ص 107.

4 محمد حمزة، إسلام المجدّدين (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2007)، ص 11؛ Benzine, p. 241.

5 بلقزيز، ص 253.

6 حمزة، ص 73.

7 عبد المجيد الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي (بيروت: المدار الإسلامي، 2009)، ص 32.

8 عبد المجيد الشرفي، «المنهج المقارن في قراءة الإنتاج الديني»، في: لبنات: في المنهج وتطبيقه، الجزء 1 (بيروت: المدار الإسلامي 2013ص 136؛ يقول بلقزيز: «يمكن أن تمثل بعلوم شرعية أخرى وظفها الشرفي في ميزن النقد لبيان وجهة موقفه النقدي من هذه المنظومة الفكرية الوسيطة، لكن النتيجة واحدة في الأحوال كافة. لقد ضربت هذه العلوم أستارًا على الرسالة وتنزّلت معها النصوص الثواني منزلة النص التأسيسي أو هي على الأقل تنزّلتْ منزلة النصوص التي لا سبيل للمسلم إلاّ سبيل العبور منها إلى النص المؤسس بما هي اكتشاف الذي يضيئهُ ويكشفه للأبصار والبصائر»، يُنظر: بلقزيز، ص277-276.

9 المنجي الأسود، «عبد المجيد الشرفي»، في: بسام الجمل (تحرير أعلام تجديد الفكر الديني، الجزء الأول (بيروت: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث 2016)، ص 224.

10 المرجع نفسه، ص 224-227؛ يُنظر: حمزة، ص 96-106.

11 نادر حمّامي، إسلام الفقهاء (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2006ص 82-120.

12 حمزة، ص 82-83.

13 تعرضتْ أعمال الشرفي لانتقادات عدة، يُنظر: الأسود، هامش 1 و2، ص 223.

14 نقد المؤسسة الفقهية يمثل رهان البحث النقدي عند الشرفي، وهو المدخل لتحرير الإسلام من الوسائط المؤسسية. لمزيد من التفاصيل يُنظر: بلقزيز، نقد التراث، ص 274؛ حول فكرة التمثل التاريخي والحقيقة الأيديولوجية، يُنظر: يوسف بن عدي، «مكونات القراءة الجديدة في أعمال محمد الحداد: قراءة عصرية للتراث» في: قراءات في التجارب الفكرية العربية المعاصرة: رهانات وآفاق (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2011ص 189-220.

15 يقول بلقزيز: «ليس من شك في أنّ الكثير من الدراسات التراثية الآخذة بأدوات التحليل البنيوي والإبستيمولوجي انزلقتْ إلى هدر تاريخية النص المقروء، فانتهى الأمر إلى أحكام واستنتاجات إسقاطية»، يُنظر: بلقزيز، ص 252.

16 لمزيد من التفاصيل يُنظر: عبد المجيد الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي (بيروت: المدار الإسلامي، 2009 ص 10.

17 المرجع نفسه، ص5.

18 عبد المجيد الشرفي، «السلفية بين الأمس واليوم»، في: لبنات: في المنهج وتطبيقه، ص46.

19 المرجع نفسه، ص53؛ وعن نقد الشرفي لحركات الإسلام السياسي، يُنظر: عبد المجيد الشرفي، الإسلام والحداثة، (تونس: الدار التونسيّة للنشر، 1991)، ص 204-209؛ الشرفي، مرجعيات الإسلام السياسي (تونس: التنوير للطباعة والنشر، 2014).

20 الشرفي، لبنات: في المنهج وتطبيقه، ص62؛ يقول أيضا: «ولعلنا نستطيع تلخيص المسار الذي ميّز هذا الاتجاه الديني السلفي بأنه بدأ تحرريا منفتحا على مقتضيات العصر عند عبده وانتهى تمامًا متحجرا مع الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي»، يُنظر: الشرفي، الإسلام والحداثة، ص 210.

21 عبد المجيد الشرفي: «مُجادلةُ السائد من الخطاب الديني: مشروعيّتها» في: لبنات: في قراءة النصوص، الجزء 2 (بيروت: المدار الإسلامي 2013ص 80؛ يُنظر أيضا: «الثالوث الصعب: الإسلام والحداثة والعلمانية»، في: لبنات: في الثقافة والمجتمع، الجزء 3 (بيروت: المدار الإسلامي 2013)، ص 69-104؛ كما يدعو الشرفي إلى ضرورة مراجعة مقدمات الدّين المورثة في ضوء التصوّرات الجديدة للإنسان والكون، وفي ضوء الخطاب الإجتماعي المعلمّن، يُنظر: حامدي، ص 115.

22 الشرفي، الإسلام والحداثة، ص 104؛ يقول الشرفي كذلك في توظيفات النص الديني: «إنَّ التفاسير القرآنية وتوظيفات الفقهاء والمسلمين شكلت نصوصًا ثواني لا يفهم النص المقدس إلاّ عبرها ومن خلالها»، يُنظر الشرفي، «مجادلة السائد من الخطاب الديني»، في: لبنات: في قراءة النصوص، ص 67؛ يُنظر كذلك نقد الشرفي للنزعة المحافظة المتجلية في الدفاع عن علوم الحديث ومصطلحه في: الإسلام والحداثة، ص 106-111.

23 الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 107؛ يُقارن كذلك قوله: «وكما أنه لا يجوز في نظرنا الفصل بين الرسالتين المكية والمدنية على غرار ما دعا إليه محمود طه لا يجوز فصل ما يسمى خطأ آيات الأحكام بعضها عن بعض وعزلها عن سياقها التاريخي وعن مجمل النص القرآني كما لم ينفك الفقهاء يفعلون قديما وحديثا»، يُنظر: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 60.

24 يُنظر: الأسود، ص 231.

25 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 87.

26 الشرفي، الإسلام والحداثة، ص 19.

27 الشرفي، «في منهجيّة دراسة الأديان، في: لبنات: في قراءة النصوص، ص17؛ يقول الشرفي: «وليس هذا الذي يدعونه في تماه بين الفكر الإسلامي والإسلام، هو بالضرورة الإيمان الصحيح والسلوك المستقيم. فقد يؤدي تفكير من نوع آخر إلى تكييف هذا الإيمان على أسس أخرى وإلى ضمان السلوك المستقيم، وليس كذلك على أسس أخرى يختلف عن السلوك التقليدي»، الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 11-12؛ يُراجع نقد الشرفي لبعض الدراسات الغربية وتصورها للدين في: الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 12.

28 يقول الشرفي: «لاشك أنّ عدم التشجيع على القيام بهذه الدراسات إنما مرده أولًا إلى الخوف من تعرية الواقع بكل أبعاده وعدم الاستعداد لمواجهة ما ينجرُّ عن هذه التعرية من تغيير العقليات وكذلك في مشروعية العديد من المؤسسات الدينية والاجتماعية»، يُنظر: الشرفي، لبنات: في قراءة النصوص، ص 21.

29 الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 13؛ وعن كيفية تحليل النصوص الدينية في الثقافة الإسلامية وآليات تشغيلها من حيث الدلالة والخطاب، يُنظر: الشرفي، «في منهجيّة دراسة الأديان»، في: لبنات: في قراءة النصوص، ص 31-41.

30 الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 16.

31 الشرفي، «في منهجيّة دراسة الأديان»، في: لبنات: في قراءة النصوص، ص 37.

32 الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 22-23؛ يُنظر كذلك: الشرفي، «العالم المحيط: رؤية إسلامية» في: لبنات: في الثقافة والمجتمع، ص 133.

33 فيما يتعلق بدور المتخيّل في قراءة النصوص الفقهيّة والتاريخيّة وانعكاسته على السياسة والمعرفة والمجتمع، يُنظر: بسّام الجمل، جدل التاريخ والمتخيل: سيرة فاطمة (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2016)؛ نادر الحمّامي، صورة الصحابي في كتب الحديث (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2014)؛ حياة عمامو، أصحاب محمد ودورهم في نشأة الإسلام (تونس: دار الجنوب، 1996)؛ محمد حمزة، الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2015).

34 الشرفي، الإسلام بين الرسالة التاريخ، ص 7.

35 المرجع نفسه، ص 14-13.

36 يقول الشرفي: «إلاّ أنّ هذه العناصر توظّف -كما سنرى- توظيفا يتجاوز الظرف التاريخي المحدود لتبلغ بها غايات لعلّها أبعد مما كان المعاصرون للرسالة مهيّئين لقبوله»، يُنظر: الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 40.

37 المرجع نفسه، ص47؛ يقول أيضا: «وقد أدى الدين تاريخيا دورًا أساسيًّا في عملية التبرير هذه، وفي إضفاء المشروعية على الاختبارات التي تمت في إطار مخصوص»، يُنظر: المرجع نفسه، ص 20.

38 الشرفي، «في قراءة التراث الديني الإتقان في علوم القرآن أنموذجًا’» في: لبنات: في المنهج وتطبيقه، ص 154.

39 الشرفي، الإسلام بين الرسالة التاريخ، ص 48.

40 يُنظر قول الشرفي كذلك: «صحيح أنّ في علوم القرآن ما يعرف بـأسباب النزول ولكن هذه الأسباب لم يحتف بها الصحابة بما أنهم عايشوها بل إنّ الأجيال اللاحقة هي التي سعتْ إلى معرفتها ولم تدوّن جزئيا فقط إلا في فترة متأخرة (...) ومن الطبيعي إذن أن يدخلها الكثير من الوضع والاضطراب»، يُنظر: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 48.

41 يقول الشرفي في مسألة جمع المصحف: «وفي ولاية مروان بن الحكم حيث أحرق مصحف حفصة’ -زوجة الرسول- إثر وفاتها وبقدر ما يأسف المؤرخ لفقدانه هذه الوثائق الأصلية من دون رجعة لا يسعه إلا الإقرار بأنّ توحيد المصحف كانت له كذلك آثار إيجابية لا تُنكر ولولاه لربما تأخر اجتماع المسلمين على كتاب واحد مع ما في ذلك من احتمالات الانشقاق والافتراق الأعمق»، يُنظر: المرجع نفسه، ص 49-50.

42 الشرفي، الإسلام والحداثة، ص 113.

43 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 77-78.

44 الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص79-80؛ يُنظر أيضا قول عبد الله العروي: «إنّ المجتمع الذي يصوره لنا الفقه مجتمع مجزأ إلى أحرار ورقيق ينقسم فيه الأحرار إلى أكفاء ومحجورين، والأكفاء إلى رجال ونساء والرجال إلى حُكّام ومحكومين»، مفهوم الحرية، ط 6 (بيروت: المركز الثقافي العربي، 2012ص 19.

45 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 67؛ حول الفرق بين الردة الفردية والردة الجماعية، يُنظر: الإسلام والحداثة، ص 128-129؛ الشرفي، «حقوق الله وحقوق الآدميين من منظور حديث»، في: لبنات: في الثقافة والمجتمع، ص 181-207.

46 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 68-67؛ من الجدير بالإشارة أيضا أن الشرفي يؤكد على عدم تنصيص القرآن على الأحكام والحدود، يُنظر: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 62-61، 64؛ تحديث الفكر الإسلامي، ص ص 92-93.

47 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 79.

48 الشرفي، الإسلام والحداثة، ص 139؛ يُنظر مراجعة الشرفي لمنجز المغربي أحمد الخمليشي: «هل الفقه وأصوله قابلان للتجديد؟» في: لبنات: في قراءة النصوص ص 101-111.

49 «لا جدال في أنّ قطع يد السارق هو من الممارسات التي كانتْ معروفة قبل الإسلام ومن الطبيعي أن تكون عقوبة السرقة شديدة في ظروف المجتمع البدوي وفي إطار اقتصاد الكفاف عمومًا. إذ أنها قد تؤدي إلى هلاك من يسرق منه ماله»، الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 70.

50 المرجع نفسه، ص 148.

51 الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 96.

52 يُنظر: الشرفي، «قانون الأسرة تحديا للفقه»، في: لبنات: في الثقافة والمجتمع، ص 255-269.

53 الشرفي، «البعد الديني في الثقافة العربية»، في: لبنات: في الثقافة والمجتمع ، ص 8.

54 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 117.

55 الشرفي، «الشافعي أصوليا بين الاتباع والإبداع»، في: لبنات: في المنهج وتطبيقه، ص 173؛ يُنظر أيضا: الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 48-49.

56 الشرفي، تحديث الفكر الإسلامي، ص 61.

57 الشرفي، «البعد الديني في الثقافة العربية»، في: لبنات: في الثقافة والمجتمع، ص 24.

58 الشرفي، «حدود الاجتهاد عند الأصوليين والفقهاء»، في: لبنات: في المنهج وتطبيقه، ص 191؛ يقول أيضا: «والملاحظ على صعيد آخر أنّ الاجماع كان أصلًا نظريا أكثر مما كان حقيقة تاريخية ملموسة منذ عهد الخلفاء الراشدين أنفسهم وقد اختلفوا في تحديده اختلافا كثيرًا»، الشرفي، الإسلام والحداثة، ص 163.

59 الشرفي، «الشافعي أصوليا بين الاتباع والإبداع»، في: لبنات: في المنهج تطبيقه، ص 178.

60 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 169؛ يقول الشرفي، «أما حجة الاجماع التي يستند إليها السائد من الخطاب الإسلامي فقد استغلت تاريخيا لإقصاء المخالفين أكثر مما استعملت للبحث عن سبيل الملائمة بين الدين والحياة»، في: «مجادلة السائد من الخطاب الديني: مشروعيتها»، في: لبنات: في قراءة النصوص، ص 72.

61 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 174.

62 الشرفي، «التعبد والبحث في قراءة القرآن»، في: لبنات: في قراءة النصوص، ص 44.

63 المرجع نفسه، ص 49.

64 الشرفي، الإسلام والحداثة، ص 91.

65 تقول ناجية الوريمي: «لكنّ الجابري عندما يعترف أنّ السلطة السياسيّة في الإسلام كانت في حاجة دائمة للتبرير الدينيّ، فهو يعترف بشكل غير مباشر بضرورة وجود فئة قبلت القيام بهذه المهمّة الخاصّة ومن ورائها المهمّة العامّة المتمثّلة في الدفاع عن اختيارات السلطة في سائر المجالات، وهذا هو جوهر المؤسّسة الدينيّة في علاقتها بالمؤسّسة السياسيّة»، يُنظر: ناجية الوريمي، «المؤسسة الدينية والسلطة السياسية: من الولاء إلى المواجهة»، مؤمنون بلا حدود (2017/02/25)، إحالة 2، ص 4، شوهد في: 2022/09/15، على: https://bit.ly/3Us0Xk3

يقول عزمي بشارة: «من الخطأ اختزال تاريخ العلماء والفقهاء في الإسلام في تاريخ المؤسسة الدينية، فهو إلى حد بعيد تاريخ دور المثقفين في الحضارة الإسلامية الذي لم يكن أقل من دور كتّاب السلاطين من ناحية دورهم الثقافي تحديدًا» يُنظر: عزمي بشارة، «عن المثقف والثورة»، تبيّن، العدد 4 (2013)، ص 127-142، ص 128.

66 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 118؛ الشرفي، «المؤسسة الدينية في الإسلام»، في: لبنات: في المنهج وتطبيقه، ص 85.

67 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 118-119.

68 المرجع نفسه، ص120.

69 المرجع نفسه، ص121.

70 المرجع نفسه، ص123.

71 الشرفي، «المؤسسة الدينية في الإسلام»، في: لبنات: في المنهج وتطبيقه، ص 90.

72 المرجع نفسه، ص 95.

73 الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 129-130.